العناوين :
رمضان في أرض العقارب
1) عادات و تقاليد لازالت محفورة في ذاكرة الأجيال وعيون الناشئة
2) كيف تستعد العوائل في بئر أحمد لاستقبال الشهر الفضيل ؟
3) مسجد بئر أحمد التأريخي شكل ألفه المكان و الثقافة و الهوية
4) الطبق الرمضاني كان فقيراً في عهد الأجداد فتحول إلى أشبه بفسيفساء متنوعة الألوان و الأشكال في عهد الجيل الثالث
5) المقاهي الشعبية في بئر أحمد أرتادها الأدباء و السياسيون و الرياضيون وكبار رؤساء البنوك و موظفي الشركات الأجنبية في عدن
6) ماذا عن اللقاءات الروحانية و الثقافية و الأدبية و الفنية في رمضان؟
7) هل سيفتقد الطبق الرمضاني العقربي لخل الحسوه هذا العام بعد ابتلاع الأدواش؟
تحقيق/ أحمد حسن العقربي
العادات و التقاليد الرمضانية في بئر أحمد هي جزء من الموروثات الشعبية التي حافظ عليها أجدادنا و نتابعها نحن جيل بعد جيل لتظل تطبع حياتنا بطابعها الخاص و لاشك أن لها في شهر رمضان ما يميزها من هذه الموروثات الدينية الشعبية و ما أحرانا اليوم أن نعيش لحظات مع هذا التحقيق الصحفي في عبق هذا التراث التأريخي و العادات و التقاليد الشعبية في منطقة بئر أحمد أرض العقارب و هم جزء أساسي من المكونات الأساسية لسكان عدن و جزء من تأريخها الديني و الثقافي
– و نطوف بخشوع في آفاق عاداتنا الرمضانية لنلتقي بتراثنا الرمضاني الشعبي الممتد عبر السنين من طقوس رؤية هلال شعبان مروراً بالاستعدادات المنزلية الأسرية في الأسبوعين الأخيرين من شهر رمضان و تهيئة المسجد و إضاءته مروراً بالطبق الرمضاني الاستهلالي عند الإفطار مروراً بالمسَّحر و فانوس رمضان حتى حلاوة المشبك و بنت الشيخ و حلقات الذكر و المجالس الثقافية و الأدبية و الفنية و مقاهي بئر أحمد التأريخية في رمضان
– هذا الظمأ الشديد لماء المعرفة يجعلنا نعبئ بلا توقف و نحن على وشك الإبحار في مياه الذكريات لنستريح قليلاً قرب شاطئ من شواطئ الماضي و في ظل شجرة الذكريات لنتكئ على أغصان الزمن و نتسلّق الأحداث عبر دروب الشوق لنتابع السير في نفق زمن تراثنا الرمضاني الشعبي الذي تفوح منه رائحة من عطر ماضي ممتد عبر السنين
– ما أكثرها من ذكريات تلك التي تربط بتقاليد يتميز بها شهر رمضان .. و البداية عند ثبوت الرؤية حيث نسبح خاشعين فوق سحاب العادات التي كيف كان أسلافنا من أهالي بئر أحمد (العقارب) يحتفلون في عاصمتهم التأريخية بئر أحمد في الثلث الأول من القرن المنصرم القرن العشرين حتى مطلع القرن الحالي الواحد و العشرون .. كيف كانت عاداتهم و تقاليدهم الرمضانية التراثية, و كذلك حياتهم في الماضي و كيف كانت طقوسهم الدينية ؟فضلاً عن تراث العقارب الثقافي و الفني والأدبي أيام زمان في رمضان
قد تكون هذه الأسئلة أسئلةً تقليدية لكن يمكن أن نخرجها من النطاق التقليدي إذا فكرنا في المقارنة بين الماضي و الحاضر ، لنكتشف ما دفنته وقائع الدهر ورياح الإهمال الثقافي و الروحي الرمضاني ، و كذلك التدمير الممنهج لكل ماله صله بذاكرتنا التأريخية و هويتنا, و كذلك لكل مقوماتنا الروحية و الثقافية و البيئية و التأريخية و الأثرية و الإقتصادية و حينما نقارن بين تقاليد الأجداد و الأجيال التي أعقبتهم في شهر رمضان في ذلك الزمان ستبحر بنا الذاكرة إلى ما عاناه أجدادنا فلا كهرباء و لا مراوح كهربائية ولا ثلاجات و لامكيفات ولا غسالات ولا وسائل نقل حديثة ولا راديو ولا تلفزيون ولا كمبيوتر ولا فضائيات و لا متنزهات و لا مصدر دخل ثابت سوى الاعتماد السنوي على المحصول الزراعي .. فالأجداد كانوا يعيشون على الفطرة و يحرمون كثيراً من الإحتياجات الرمضانية الأساسية لكن بالرغم من هذه المعاناة إلا أن الأجداد كانوا يستقبلون رمضان بالغبطة و السرور و البهجة و الحبور لأنهم يعتبرونه شهر حافل بالنفحات الربانية و الذكريات الإسلامية و الفيوضات الربانية و بالإكثار من مصادر التنمية الروحية في هذا الشهر الكريم .
ماذا عن مراسم الفلكلور الروحاني الشعبي عند ثبوت هلال ؟
رمضان عند أهالي بئر أحمد؟
في طقوس الهلال عند أهالي بئر أحمد القدماء كان يخرج فضيلة و أمام مسجد بئر أحمد الحاج/ صالح مهدي يصطحبه عدد من الوجهاء و رجال الدين و جمع من الأطفال و بأيديهم الشمع و المشاعل المضيئة فيقفون على مرتفع طيني في فضاء الحبيل و هي الأرض المفتوحة التي تحيط بالمدينة و ها هي اليوم لا وجود لها في الواقع, بفعل حمى بيع الأراضي عشوائياً .. و من فوق هذا المرتفع أو ما يسمونه أهالي بئر أحمد بالقوز و هو محادي لإحدى معالم بئر أحمد التأريخية أنه معلم حيرة آل عزب التأريخية القريبة من مرقد ولي الله الصالح السيد عمر الحبشي, وهناك يتحرى الجميع عندما تصفو السماء من السحب حتى تثبت رؤية الهلال و على التو يتحرك الجميع إلى قصر الشيخ و يخطرونه بإثبات الرؤية و يتواصلون مع كبار قضاة عدن للإدلاء بشهادة الرؤية فيعلن قاضي قضاة عدن بالإعلان عن ثبوت الرؤية و لذلك يقتدي أهالي بئر أحمد بالصوم بدء من أول أيام شهر رمضان .. و بعد إثبات هذه الرؤية يتوزعون الأطفال بأيديهم الشمع و المشاعل .. بين أحياء و حارات بئر أحمد مرددين عبارة بكره رمضان .. مرحب مرحب يا رمضان
وجبة الإفطار العقربية فسيفساء حقيقية..
المعروف أن سكان بئر أحمد القدماء كانوا فقراء يعتمدون فقط على نتاج المحصول الزراعي الموسمي ولا يوجد لهم مصدر دخل آخر لذلك كان طبق الإفطار الرمضاني عندهم فقيراً جداً يحتوي فقط على التمر و القهوة المر الملبنة فقط بالإضافة إلى شرائح الحبحب و الشمام .. أما وجبة العشاء التي تقدم مباشرة بعد مائدة الإفطار أو بعد صلاه المغرب فكانت تتكون من فتته الخبز المخلم أو الكدر و هو من حبوب الغربة الأحمر و الحلبة الموزف أو صانونة الخضرة المجموعة و المالح اللخم و الربيص,و بعد صلاة التراويح و الذهاب إلى المنازل تقدم للصائمين جعبة مصنوعة من أشجار الدوش تحتوي على حلاوى المشبك الوهطي و القرمش و الصابع اللحجي مع القهوة المر أما وجبة السحور فكانت في الأغلب عند أهالي بئر أحمد هي فتته الخبز البر مع اللبن البقري أو الغنمي الطازج مع السمن البقري و السكر
– أما الجيل الثاني من الأهالي في بئر أحمد فقد كانت مائدة الإفطار عندهم تزخر بشتى الأطباق التي تحضر في هذا الشهر دون غيره من شهور السنة ففيه تشتهي النفوس مالا تشتهيه خارج أيامه و حرمان النهار لا يزيله إلا تنوع الأطباق على مائدة الإفطار و فيه أيضاً تطلق البطون العنان لحبالها فتجد كل فرد من العائلة يدخل البيت قبل آذان المغرب ، و بيده شتى أنواع البهارات من فلفل و قرفة و حوائج لحم و الهيل إلى جانب قوارير لبن البقر للسحور و الحقين الطازج الذي يسوقوه إلى السوق الرعيان و البدو الرحل من مراعي بئر عيشة .. لكن ما يقلق الأهالي أن تنعدم هاتان السلعتان اللبن و الحقين هذا الشهر و أشهر رمضان القادمة بسبب بيع المراعي العشوائي و هجرة الرعاة الذين دخلوا هذه الأيام في لعبه سمسرة الأراضي و بيعها .. و أصبح الطبق الرمضاني يحوى ايضاً الشربة المهروسة باللحم و السمبوسة و الباجية و أكواب اللبنية و البدنج و البدامي و الحبجب و الشمام إلى جانب بنت الشيخ و اللحوح المفتوت بالحقين .. أما التمر فهو سيد صحن الإفطار الرمضاني وقهوة المر الملبنة و أباريق الشراب المختلف الألوان و المذاق .. إلى جانب الطبخات المعقدة و القديمة التي تقضي النسوة في تحضيرها النهار كله في المطبخ حيث يسيل لعاب رب البيت الذي يبقى يتردد بين الحين و الأخر على المطبخ تجلبه لا إرادياً الرائحة الطيبة التي تنبعث من قلب القصيص و الدسوت ( الأواني الكبيرة ) و تظل الشربة لوحدها فارس المائدة الرمضانية عند العقارب
إستعدادات العوائل و القائمين على المسجد في رمضان أيام زمان
تتحول البيوت في بئر أحمد في الأسبوعين الأخيرين من شهر شعبان إلى ورش عمل حقيقية لكل الأعمال و المهارات اليدوية و بدءً بغسل الأفرشة و الستائر و إدخال فرش الحصير الجديد و طلاء الجدران بمادة الطين و الهدي و تطوع بعض النساء من أمتهن الفن التشكيلي بالخبرة و الفطرة يستخدمن أناملهن الرقيقات في أعمال فنية كالرسم و النقش والإبداع الجميل برسم الأشجار و الزهور و الحيوانات و الطيور إلى جانب نماذج من الأدوات الحياتية المستخدمة على جدران غرفة المرابعة و الدكة (الدارة) مستخدمن في عملية الطلاء و الطين المخلوط بالماء و الهدي من شجر الأثل وكذلك النورة للتزيين و النقش أو ما كان يسمى بمادة القضاض .. فيما يقمن ربات البيوت بتحضير حبوب القهوة البن و دقها بالملكد الخشبي ثم تنقية حبوب البر (الشربة) و غسلها و تجفيفها و قشرها و تجهيزها في أكياس خاصة إلى جانب ترتيب أمورهن المنزلية و إنتهاءً بعض التحضيرات التي تمس المواد الاستهلاكية المنزلية التي ما تزال المرأة العقربية تداوم على إعدادها في البيت مثل الشفوت و السنبوسة و الباجية و المدربش و بنت الشيخ و الكعك إلى جانب غسل القمصان و الملاثم الخاصة بالنساء و كوايتها ورشها بالعطور لاستخدامها بالعبادة بالشهر المبارك .. كما يقمن النساء بتهيئة القصيص المصنوع من الطين الأحمر المطلي بمادة القطران الأسود الذي يخمد الشربة على مدى 4 ساعات إلى جانب تحضير الصحون و الملاعق الخشبية و الملك الخشبي الذي يدق حبوب البن و الزنجبيل و كذلك الرحى الحجري الذي يدق حبوب البر و المطحنة الحجرية الخاصة بطحن البسباس و الحوائج و البهارات تم تضع على دست الشربة و هي على النار حيث كان يقدم طبق الشربة المهروس باللحم والخضروات وهو مغذي يمنح الجسم بعد يوم من الصيام الكثير من الدهون و البروتينيات ثم تضع عليها قطع من الطماطم الصغيرة و عادةً أن الشربة تستغرق في طباختها 4 ساعات كاملة على نار هادئة يضاف اليها الماء المغلي بين الحين و الأخر و لذلك تحولت المائدة الرمضانية إلى أشبه ما تكون بفسيفساء حقيقية لمختلف أنواع الطباخة و الأكلات و أنواع المشروبات و الفاكهة طبعاً هذا يعكس انتعاش الحالة الاقتصادية لدى العقارب بعد حركة البيع و الشراء للأراضي بالمزاد العلني و بأسعار سوق النخاسة على حساب أراضينا الزراعية و أمننا الغذائي خلافاً للجيل القديم الذي كان طبقه الإفطاري الرمضاني فقير و شحيح و عاش حياة بدون وسائل الحياة العصرية و بدون بذخ لكنه كان حريص على الأرض ووفي لها أما حسرة أهالي بئر احمد هذا العام في رمضان هو أن خل الحسوه قد لا يكون حاضر هذا العام في الطبق الرمضاني بسبب تدمير و قطع حوالي 2 مليون دوش من أدواش الطاري الذي يستخرج منه الخل بسبب لصوص الأراضي و الاختلال الأمني
– و تتواصل هذه الاستعدادات الروحانية في تهيئة بيوت العبادة حيث كان رجال الخير يقدمون الفرش الحصيري الجديد للمسجد في حين كان الرجل العجوز الصالح عبد الله بسالم يقوم يملء برك المسجد الخاصة بالاستنجاء و الوضوء يخرجه عبر الدلو و الحبل من البئر القريبة من المسجد يساعده في ذلك أحفاد عبد الكريم صلاح مهدي الذي أسس بناء مسجد بئر احمد على نفقته الخاصة قبل مائتين و خمسين سنه من أمثال المرحوم محمد حسن مسعود و المرحوم عبده صدقة حسن و المرحوم زين صالح عبد الله والمرحوم مؤذن المسجد علي عبد الله سلومي.. كما يتم تبخير قاعة المسجد و مصلاه و محرابه بالبخور و العود و الروائح العطرة الفواحة لأداء العبادة و الصلاة و التهجد و الإعتكاف.
– و هناك مبادئ سامية تمثلها أهالي بئر أحمد في مثل هذا الشهر الكريم في التعاون و التكافل الاجتماعي في رمضان وواجب الجار نحو جاره فكان قبل أن يؤذن المغرب بنصف ساعة تخرج صحون الإفطار من البيوت بما لذ و طاب إلى الجيران الفقراء و كان كل جار يفطر جاره قرب أذان المغرب .
فانوس رمضان و دوره الاجتماعي و الروحاني في رمضان
ارتبط فانوس رمضان بالذاكرة الرمضانية التأريخية عند أهالي بئر أحمد في ليالي رمضان في الأسواق و المساجد و المرابط الدينية و المراكز الثقافية و الرياضية و كان فانوس رمضان مهم بالنسبة للنساء في ليالي رمضان حيث أن أزواجهن و ذويهن يسمحون لهن بالخروج ليلاً للتزاور على أن يتقدم المرأة أو الفتاة طفل يحمل في يده فانوس مضاء ليعلم المارة إن احدى النساء تسير فيفسحون لها الطريق.
المقاهي الشعبية في بئر أحمد يرتادها مختلف الوان الطيف
الشعبي في رمضان
ظل المقهى الشعبي التاريخي في بئر أحمد في رمضان القاسم المشترك و نقطه الربط بين مختلف أماكن العيش الخاصة و العامة و بين أمكنه الترفية و أمكنة الإقامة و الإستقرار و السكن و ظل المقهى يلعب دوراً حيوياً روحياً و ثقافياً و إنسانياً في إرساء التواصل بين الأفراد و خروجهم من ملل الحياة
و لذلك فاللمقاهي التأريخية حضوراً رمضانياً في بئر أحمد و أذكر أن مقهى صالح سعيد التأريخي الذي أسس في سنه خمسة و خمسين كان يشكل همزة الوصل بين مختلف الشرائح المجتمعية و كان يرتاده الوجهاء و العجزة و الشباب و العقلاء من المصلحين الاجتماعيين و الأدباء و السياسيين و الرياضيين و أصحاب المواقع المرموقة من أبناء بئر أحمد الذين يشغلون مناصب كبيره في الشركات و البنوك الأجنبية في عدن الذين دائماً يفضلون إجازتهم السنوية ليقضونها مع أقاربهم في رمضان و هم يتميزون بمظاهرهم الحضارية تأثراً بأهالي عدن في أرتداء قمصانهم البيضاء النظيفة و المشدات البيضاء و الكوفية الزنجباري البيضاء و الفوطة السمرندة الأندونسية التي يلبسونها إلى أخمص القدمين على الطريقة العدنية يحملون بايديهم دبه الماء المبخر البارد مع الثلج (المكبي) فضلاً عن القات الهرري الحبشي الملفوف بالمشدة ذات الروائح العطرة خصوصاً عندما يذهبون للسمر في اليالي الرمضانية للمقيل في مقهى صالح سعيد كما تميز هذا المقهى بأنواع أكواب الشاي السيلاني بمختلف أنواعه العصملي و الملبن و الدبل و الجرو و النص دبل كما يحتوي المقهى على مبرز للقات و غرفة لذواقي الفن و الغناء و الموسيقى حيث كانوا يحرصون على الإستماع لراديو زمان و آله الطرب القديمة و صحون أغانيه و كانوا يحرصون بالذات للاستماع إلى برامج إذاعة القاهرة و صوت العرب لمتابعة البرامج الدينية و الثقافية و السياسية و المسلسلات الإسلامية و نبذ عن حياة و إبداعات كبار الأدباء و المفكرين و السياسيين إلى جانب موشحات التراث الأندلسي و المصري و الحجازي و الصوت الجميل للمقرئ المصري الإسلامي العالمي فضيلة الشيخ /عبدالباسط عبد الصمد فضلاً عن تذوق رجال زمان و شباب زمان لأساطين الفن الغنائي العربي أمثال أم كلثوم و عبدالوهاب و تعليق المذيع القومي أحمد سعيد من صوت العرب أو خطابات الزعيم العربي الراحل جمال عبد الناصر.. و من الجدير بالإشارة إن ما كان يتميز به صاحب هذا المقهى صالح سعيد بحسن الخلق و حسن الطوية و غنى النفس و التسامح و الإبتسامة البيضاء التي كانت لا تفارق شفتيه كما كان يتواجد في الغرفة الأولى من المقهى الشخصية الإجتماعية موضوع إحترام الجميع مهدي علي بوسلامة الذي كان دائماً يتعاطى المداعة و بجانبه البعض من مرتادي المقهى الذين يحضرون خصيصاً للقاء به لمساعدتهم و أخذ النصيحة منه في حل النزاعات الإجتماعية بين الجيران أو المشاجرات التي تحدث بين الشباب أو المشاكل التي تحدث بين الصهور و الأزواج أو في سقي مياه السيل لأراضي المواطنين و المشاكل التي تنجم عنها و يساعد في حل جميع تلك المشاكل بما يرضي الجميع و يمتثل الجميع لنصائحه و يعمل هذا لوجه الله .
و هناك أيضاً من المقاهي التاريخية القديمة في بئر أحمد التي ظهرت في أواخر الخمسينات كمقهى أحمد صالح و هذا المقهى يرتاده عادةً المسنين و أئمة المساجد و الشيوبة و أصحاب الخبرات و البعض من عرفوا بالطب الشعبي و هو لا يبيع إلا الشاهي الأحمر و الكعك أو التمر مع القهوة المر و الحديث الذي كان يدور بينهم دائماً هو التحسر على ذهاب العمر و الشباب فيردد بعضهم قصيدة ألا ليت الشباب يعود يوماً لأخبره بما صنع المشيب و ياريت الشباب يباع بيعاً لأعطيت البائعين ما يريدوا ، و هناك من يشكوا من نفور الزوجة منه بعد أن بلغ به الشيب فيقولون إذا شاب المرء أو قل ماله فليس له من ودهن نصيب و هناك بعض المقاهي تكون أشبه بمنتدى ثقافي مثل مقهى الحاج صالح عوض الذي كان يرتاده شيوخ العلم و أئمة المساجد و المؤرخون و المثقفون والوجهاء و بعض من طلاب المدارس في المراحل الدراسية الأخيرة حيث يتم قراءة السيرة النبوية و حديث البخاري و كتب الفتوحات الإسلامية مثل كتاب فتوح الشام أو الكتاب التراثي الديني مثل حدائق الزهور في بدائع الدهور أو سيرة المهلهل و الزير سالم و سيرة بني هلال ,ولن أنسى مقهى المرحوم/محمد أحمد سلومي الذي كان معظم من يرتاده أعضاء شباب نادي بئر أحمد الرياضي ليحتسون الشاهي بعد فوزهم على بعض الفرق الرياضي العدنية فرحةً بالنصر.
مسجد بئر أحمد القديم و المرابط الدينية شكلوا ألفة المكان والثقافة و الهوية
تبدأ النواميس الرمضانية في المسجد التأريخي في بئر أحمد قبل أسبوعين من قدوم رمضان حيث يتحول المسجد إلى حراك روحاني يبدأ بالترحيب برمضان و الإعتناء بمكتبة المصاحف و كتب الحديث و نشر الرياحين في بهو المسجد و مقصولاته ثم يتم تنظيف المسجد و بهوه و فرشه بالحصير الجديد و تفقد مياه المستنجى وبركة الوضوء و فوانيس المسجد و صب الماء البارد المبخر في زير المسجد و تملئة الكيزان الصغيرة بالماء البارد التي توزع على الصائمين في مائدة الإفطار الجماعي وفي التهيئة لرمضان يبدأ الناس قبل رمضان بالترحيب برمضان ..فيما يردد المصلون بعد كل صلاة نداء يا تواب توب علينا و أرحمنا و أنظر الينا ، في حين تتكثف العبادات من الصلوات الخمس و صلاة التراويح التي كانت عبارة عن 23 ركعة مع الوتر و الدعاء و يتم التلاوة فيها بآيات قصيرة من جزء عمه كما يتم أداء صلاه التسابيح و التهجد و كان في أيام زمان قبل 100 عام تنظم بعد صلاه التراويح مع قرب ختام رمضان في 27 من رمضان المسابقات بين خاتمي القران و حفظ بعض الأجزاء من حديث بخاري و مسلم كما يتم الإعتكاف في العشر الأخيرة و تكثيف العبادات والأعمال الروحية يوم السابع و العشرون من رمضان بليله القدر و في هذا المقام يتبارى الصالحون بحصد ثمرات التنمية الروحية في هذا الشهر المبارك.
– أما المرابط الدينية فقد عرفت من خلال مجالستي لبعض كبار السن من الأهالي ومعرفتي أيضاً من خلال مقابلة بعض السادة في عدن الذين لديهم معرفة بمناقب ولي الله الصالح السيد عمر الحبشي الذي قبر في بئر أحمد قبل حوالي أكثر من مائتي و خمسون سنة ..أن مربطه كان يحوي مدرسة لتدريس القرآن و تحفيظه و تفسيره و تدريسه و تجويده و يتم تعليم طلاب العلم بمبادئ و قواعد اللغة العربية و الفقه و الشرع و التأريخ الإسلامي .. و في رمضان كان هذا الرباط يحيى ليالي رمضان بسرد سيرة الرسول و تجويد القرآن و الموشحات الدينية و كتب الحديث بخاري و مسلم إلى جانب المسابقات الفكرية الدينية و القرآنية و كان يرتاده عدد من مثقفي ووجهاء بئر أحمد و شيوخ العلم و إمام مسجد بئر أحمد و السادة آل باعلوي و يقال أن عبد الكريم صلاح مهدي أحد وجهاء قبيلة العقارب هو خريج هذا الرباط و كذلك الأمر بالنسبة لرباطي الهدار و الغدير تجريان فيهما قراءة القرآن و الحديث و سرد سيرة الرسول و الأناشيد الدينية و توزع على الحاضرين و الأطفال الحلويات و القهوة المزغول حتى الساعة الثانية فجراً.
اللقاءات الثقافية و الرياضية و الفنية في ليالي رمضان في بئر أحمد
كان مقر جمعية أبناء بئر أحمد الخيرية الإجتماعية و الوطنية التي تأسست في سبعة و خمسين حافل بالبرامج الثقافية و بإلقاء المحاضرات الثقافية و الفكرية و التاريخية و السياسية و الدينية و كان يترأسها قادة وطنيون متمرسون أمثال الشهيد فارس سالم أحمد و الشهيد يوسف علي بن علي و هما من قادة ثورة 14 أكتوبر المجيدة .. وينتسب لعضوية الجمعية من وجهاء المنطقة و تجارها أمثال الشخصية رجل الأعمال العقربي عباد عوض ماطر ومن الوجهاء عبد الكريم الحاج و صدقة بن أحمد و كانت الجمعية تقوم بمكافحة الأمية بين الأعضاء الأميين لتنويرهم وكان لهذه الجمعية دوراً كبيراً في جذب الناس و تعريفهم بحقوقهم الإجتماعية والوطنية ,ناهيك عن الثقافة القومية.
و كان أيضاً لنادي بئر أحمد الرياضي و الثقافي دوراً كبير في إحياء ليالي رمضان بالتدريبات الرياضية بعد صلاه الفجر أو تنظيم المباريات في كرة القدم ليلاً و كذلك المباريات في كرة السلة و الطائرة إلى جانب أن النادي يقوم بعمل ثقافي من خلال إلقاء المحاضرات أو النشاط الإبداعي الفني و الموسيقي والإعلامي.
وللفن الموسيقي و الغنائي حضوراً في ليالي رمضان في بئر أحمد
وبصحبة الشيخ الفنان الكبير يحي محمد فضل العقربي ملك العود و فارس الموسيقي و فارس من فرسان الموسيقى اللحجية والعقربية كانت تقام بإحدى قاعات قصره التأريخي جلسات السمر الرمضانية و اللقاءات الفنية يحضرها كبار الفنانين في لحج أمثال الفنان الشعبي الكبير فضل محمد اللحجي و فيصل علوي والعطروش ولحقه كذلك بعد السنوات القليلة الماضية الفنان عبود خواجة و بعض الفنانين و عازف الكمان الفنان خالد برغوش إلى جانب فنانين وموسيقيين من عدن و أبين وهم أصدقاء المرحوم الفنان يحي محمد فضل, و كان إلى جانب عزف العود والأغاني و الموسيقى يتحاورون في قضايا فنية وكان حوارهم كثيراً ما يدور بينهم بأسلوب تطبيقي يتناول مدارس الأداء بدءً بالموروث الموسيقي الغنائي واللحني القمنداني مروراً بمدرسة عازف العود الكبير في لحج فضل محمد اللحجي و انتهاءً بمدرسة الفنان الشعبي الراحل فيصل علوي فضلاً عن المدرسة الفنية المرشدية و مدرسة أحمد قاسم و مدرسة خليل محمد خليل ومدرسة العطروس و يتم فيها تقييم الأداء الفني في الموسيقى و العزف على العود والغناء
كيف يقضين شابات بئر أحمد و النساء المسنات ليالي رمضان
في رمضان يقمن الفتيات مباشره بعد صلاه التراويح بالتوجه إلى آبار المياه التأريخية القديمة كبئر الغدير و بئر السبيل و بئر علي و بئر سيد عمر و بئر الدار و هي من الآبار القديمة و التأريخية حيث يقمن بإخراج الماء من أعماق الآبار بواسطة وسيلة الدلو المصنوع من جلد الشاه فيتم إملاء جررهم في جحار أو أزيار تحفظ الماء لتأمين وجود المياه في المنزل لتلبية الأعمال المنزلية و إحتياجات رمضان أما بعد صلاه الفجر أو بعد الساعة 8 صباحاً يتجهن النساء و معهن عزف الدوش إلى الشبحة وهي عبارة عن غرفة مستطيلة ذات بابين وهي مخصصة للأعمال المهنية و تعني غرفة الوله وهي مبنية من الطين و يتم فيها المنافسة بين الشابات في المشغولات اليدوية من مادة عزف دوش الطاري لإنتاج وسائل الحياة المنزلية كالجعاب و الزنابيل و المسارف و أكياس التمر و التنمباك و يحاولن زيادة انتاجهن لتأمين كسوة العيد و إحتياجات رمضان.
– أما النساء الكبار في السن كن يتجمعن في أكواد النيس قرب منازلهن يتبادلن الحديث حول طلبات رمضان و هموم العمل المنزلي المكثف في رمضان و بعضهن يتذكرن أيام رمضان زمان و يتذكرن النساء الموسرات اللواتي كان لهن دوراً كبيراً في العمل الخيري و الإيماني و يستذكرن في الطبخات الرمضانية القديمة أيام الرخص و بعضهن تتحول ذاكرتهن الى سجل مدني فيتذكرون ميلاد كل طفل ولد في بئر أحمد و يثار الجدل بينهن في مصداقيته وقت الميلاد والمبشر بالميلاد وفي أي يوم من أيام السنة ولد.
– لكن بعضهن ما شاء الله ذاكرتهن قوية آشبة بالسجل المدني و الأحوال الشخصية يذكرن أسم الولد و أمة ووالده و متى ولد حتى الوقت و الساعة و اليوم و السنة العربية و الشهر العربي و المكان الذي ولد فيه .. ثم ينهيين الجلسة بمباراة في الشعر النسائي الشعبي العقربي حتى الساعة الواحدة فجراً ويتأرجح شعرهن في نقد الظلم الاجتماعي.
مدرسة بئر أحمد تتحول إلى شعلة علمية و ثقافية في ليالي رمضان .. و تعلن عن تأسيس مسرحها المدرسي عام 1968م
دأبت مدرسة بئر أحمد الابتدائية أن تعد في رمضان برامجاً ثقافية و علمية و رياضية ووطنية ,ففي رمضان تحتضن المدرسة جميع طلابها بعد صلاة التراويح بحركات يقوم بها فريق الجمباز بحركات الحصان الرياضية كم تنشط جمعيات الرسم و التمثيل المسرحي و جمعية الشعر و العمل الكوميدي إلى جانب النشاط الفني لفرقة المدرسة الموسيقية و تفعيل ورشة الأشغال اليدوية .. كما تستعد المدرسة لتنظيم المهرجان الرياضي و المسرحي و الفني الغنائي و الموسيقي الذي تقيمه إدارة المدرسة مع عيد الفطر المبارك .. كما تنشط القراءة الحرة لوجود مكتبة للكتب .. و خلال رمضان عام 1968م أعلنت قيادة المدرسة بقيادة الأستاذ التربوي القدير عبد الله صلاح علي علان عن تأسيس الحركة المسرحية المدرسية بتقديم مسرحية معركة اليرموك و تمثيلية أشرقت الشمس و تمثيلية رمضان مسبحة و سجادة و هي ناقده لجور البذخ الغير المبرر في موائد الإفطار الرمضانية و تهدف إلى تنوير الناس بأن رمضان شهر للتنمية الروحية و يعزز المساواة بين الناس الأغنياء و الفقراء فالكل منهم يجوع و الكل منهم يعاني من العطش و هذا يعكس ديمقراطية رمضان الروحانية و من خلال ثمثيل هذه المسرحيات التي أسهمت في أبراز عدد من الممثلين الموهوبين
الفلكلور الشعبي في إنتظار ليلة القدر دائبت الأسر و العوائل في الإحتفال بليلة القدر فيلبسون الأطفال القمصان المزدانة و الكوافي البيضاء و الكوافي التي يأتون بها الحجاج بعد الحج و الباس التقليدي للصغيرات كالكرات المذيلة و المناديل المزركشه ثم يقمن بتزيين أيادي الاطفال و الطفلات بالحناء ووضع المشغولات الفضية و الذهبية في رقابهن و أذانهن و قبل أسبوعين من شهر رمضان يتم ختان الأولاد حتى يتمكنوا يوم 27 رمضان من المشاركة في فرحة ليلة القدر و الإحتفال بها و يتم ترديد نشالات (موشحات)مولد النبي و توزيع المشروبات و الحلويات ثم يصطحبون ليجلسوا على السرر و أيديهم مزينه بالحنّا و ينثرون على رؤسهم ماء الورد و العطور و الفل أبتهاجاً بهذه المناسبة و يلزمون بالصيام يوم 27 رمضان بمناسبة ليلة القدر.
شخصيات رمضانية لا تزال في الذاكرة
و هناك أسماء أشخاص من أهالي بئر أحمد الذين أرتبطت أسمائهم بالذاكرة التأريخية التراثية الرمضانية و هم محبوبون شعبياً عند أهالي بئر أحمد القدماء كونهم قدموا خدمات جليلة للناس ستظل ذكراهم محفورة في الذاكرة الرمضانية أمثال المرحوم العصامي سالم الوعل الرجل البسيط القنوع الذي يأتي من قرية الوهط حافي القدمين بصحبة حماره المحمل عليه الحلوى اللحجية التراثية مثل المشبك الوهطي و القرمش و المضروب و الصابع اللحجي إلى جانب الخضروات الطازجة من صواني قرية المحلة ,و يحرص أن يصل بئر أحمد قبل آذان المغرب بساعة لتمكين العوائل و الأطفال من شراء محتاجاتهم المحبوبة و المرغوبة في رمضان ثم يتجه إلى قرية الحسوة و المهرام و الرباك و قرية الخيصة ينفل بضاعته هناك من الحلويات و يأخذ منهم مادة الخل المرغوبة في شتني رمضان و كذلك السمك المجفف (المالح) و الوزف إلى مدينة الحوطة و قرية الوهط كون تلك المواد مرغوبة عند أهالي لحج في شهر رمضان و يقال من أجل هذه المهمة و كما جاء على لسانه فإنه أي الوعل قد فقد 99 حماراً على مدى حياته كانت تشاركة في هذه المهمة و الخدمة الإجتماعية للناس في رمضان و مات فقيراً و لكنه بالرغم من فقره المدقع كان دائماً مبتسماً رحمة الله عليه أما الشخصية الثانية المحبوبة عند أهالي بئر أحمد فهو البطل الشعبي عبد الغني حسن صالح هذا الشاب النبيل الذي كان عاطل عن العمل كان لا يتردد قيد أنملة في رمضان من أي عمل أنساني أو إنقاذي أو كارثي يستهدف أهالي بئر أحمد و خصوصاً في رمضان كان خدوماً لكل الناس أما الشخصية الثالثة المحبوبة أحمد الحاج رحم الله عليه الخبير بلحص نطيت العين و المتطوع لحلاقة شعر الأولاد مع قرب عيد الفطر المبارك خصوصاً الأولاد الفقراء الذين لم يتمكنوا من الذهاب إلى الشيخ عثمان عند المزين المعروف بالحاج مانع الذي كان يعتبر من أكبر الحلاقين بالشيخ عثمان و السبب الأخر لم يكن هناك سيارة نقل في أوائل الخمسينات حيث كانت الناس تذهب سيراً على الأقدام إلى الشيخ عثمان حتى ظهرت أول سيارة تدخل نقل بئر أحمد لصاحبها المرحوم الحاج ناصر كان يطلق عليها أسم الريل ثم أعقبته طنجة عبدالله حسين بن أحمد ثم اللاندروفر الصفراء لصاحبها المرحوم فيصل سالم فرج ثم سيارة المرحوم عبدالله محمد هادي و لذلك فقد أحتلت تلك السيارات في أوائل الخمسينات قصب السبق في نقل مواطنين بئر أحمد إلى الشيخ عثمان للتسوق في شهر رمضان.
و يسألونك عن بكره (ناقة مزيدي) في رمضان من ذاكرة عجائز و شيوخ بئر أحمد التي حفرت في الذاكرة التراثية الرمضانية لدى أهالي بئر أحمد القدامى أنها ناقة مزيدي و هو الرجل الطيب المسكون بحب و حميمية الناس البسطاء هناك ,هذه الناقة المكتنزة لحماً و المدرة للبن كانت أشبة ما تكون بقاطرة لشحن البضائع فصاحبها المزيدي الذي كان لا يرد عجوز أو شيخ يوصّي معه أحتياجات رمضان و بهاراته من بقالة محمد عبداللاه التأريخي في الشيخ عثمان حيث كان المزيدي بناقته يغادر بئر أحمد بالساعة السادسة فجراً بعد صلاة الفجر خالية الوفاض و تعود محملة باحتياجات العجائز و الشيوخ و سط دعواتهم له بطول العمر و طول عمر ناقته .